أنا من البلد دي
كلمة أستطيع أن أقولها بعد قضاء ما يناهز ثلاث سنوات ونصف بسوهاج , وأتشرف بقولها بعد أن ظننت انه سيكون يوم عيد يوم أن تنهى دراستي بالجامعة لأخرج من سوهاج فلا أعود, قد يبدو هذا عجيبا لكنكم ستتعجبون أكثر حين تعرفون سبب هذا التغير, انه طبق فول...........
بعد صلاة العشاء نتجمع كالعادة أفراد الشلة بالمدينة الجامعية لتحضير طعام العشاء ,لكن في تلك الليلة لم يرد البعض تحضير العشاء, فأتفق البعض الآخر على الخرج لتناول العشاء بالخارج وكان من حسن حظي أنه بعد خروجي من المسجد قابلت اثنان منهم ، وقالوا لي ما حدث فسألتهم ( طيب هتعملوا إيه ؟) .. فردوا " رايحين للحاجة " .. فسألت مستغرباً .. "طيب فين الحاجة دي " .. والتي لطالما سمعت عنها لكني لم أذهب لديها قط فذهبنا ودخلت إلي حواري لم أرها طيلة الثلاث سنوات التى قضيتها بسوهاج حتى وصلنا لدي الحاجة ، وهي امرأة عجوز قد ترك الزمان بصماته في تجاعيد وجهها جالسة على الأرض وأمامها قدرة الفول وبجوارها عمود السمن البلدي وبابور مصنوع يدوياً من الحديد متصل بأنبوب بوتوجاز لتواكب روح العصر أما السفرة فكانت عبارة عن عدايات للطماطم ( أقفاص من سعف النخيل ) .. والمقاعد بعض من أحجار الطوب البيضاء الجيرية ..
المهم جلست على مضض وأنا متردد أجلس أم لا ولكن مقابلتها لنا وابتسامتها البريئة كطفلة في الثالثة من عمرها والتي لم يستطع الزمان أن يمحوها أجبرتني على الجلوس وشرعت في تحضير ثلاث أطباق فول لنا ، ورأيتها وهي تضع السمنة وتضع الفول عليها ثم تضعهم على النار يلتقيان مع بعضهما البعض كحبيبان بعد طول فراق وشممت الرائحة بأنفي أشهي من القرنفل في وسط بستان حلي بالزهر والسرور لي .
زاد الشوق لدي لأضع يدي على هذا الطبق وبعد تحضير فحل البصل والعيش والليمون جاءت اللحظة وبمجرد وضع أول لقمة في فمي ( ياهووووووووووووه) ده مش طبق فول تقولش حلاوة بقلاوة بسبوسة أم على أي حاجة تخطر لك على بال ، وعلى الرغم من جلستنا في الشارع واللي رايح واللي جاي يتفرج علينا وكأنهم يحسدوننا أكثر ما لاحظت كثرة الناس التى جاءت لشراء الفول منها ولكنهم رجعوا بخفي حنين على الرغم من وجود الكثير من الفول في القدرة في حين أنه يبدو أن آخر شخص قد استفزها فقالت له بالنص "روح مفيش فول, بطلنا, مش بايعين".. ورجع الزبون وقفاه تستطيع تسخين العيش البارد عليه... وعندما سألتها عن السبب ردت"دول هيخلصوا حباية الفول اللى مخلينهم للعويلات -والعويلات في اللغة الصعيدية تصغير عيال- (قال يعنى الكلمة محتاجة تصغير اكتر من كدة) اللي جايين من البلاد البعيدة للكلية لا ليهم خال ولا عم في البلد دي يعشيهم ولا ياخد باله منهم , مساكين وغلابة".
في هذه اللحظة أردت القيام وتقبيل يديها لكن لا أعرف ما منعنى, هذا أكثر شئ جذبنى اليها أنها صاحبة مبادئ, وعزمت أني لن أتناول العشاء بعد ذ لك بالمدينة, فقلت لصاحبي "أنا خلاص عرفت السكة, ومع نفسي بعد كدة."......
فضحك صاحبي حتي قهقه منى وقال "كلية الجميع تجارة, تقدير الجميع مقبول, أم الجميع أم فلفل."
الخميس مارس 12, 2009 11:20 pm